التجربة الشعرية
- مفهوم التجربة الشعرية :
التجربة الشعرية هي الخبرة النفسية للشاعر حين يقع تحت سيطرة مؤثر ما ( موضوع انفعل به أو يستهويه ) ، فيندمج فيه بوجدانه وفكره مستغرقاً متأملاً حتى يتفجر ينبوع الإبداع لديه فيصوغه في الإطار الشعري الملائم لهذه التجربة .
- تذكّر أنّ : التجربة الشعرية هي : رؤية و معايشة - انفعال صادق - تعبير .
- مثال : يقول الشابي بعنوان نشيد الجبار :
سأعيش رغم الداء والأعـداء كالنســـر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس المضــيئة هازئا بالسحب والأمطار والأنواء
لا ألمح الظـل الكئيب ولا أرى مـــا في قرار الهوة الســـوداء
- شرح : انفعل الشاعر بظروف وطنه الواقع تحت سيطرة الاستعمار البغيض ( الاستعمار الفرنسي ) وبظروفه الشخصية ؛ حيث يحيط به الحاقدون ، وتشتد عليه وطأة المرض( معايشة ) ، فجاشت " تحركت " عاطفته و تأثر وجدانه حينما مر بهذه الخبرة النفسية ( انفعال ) ، فعبر عن تجربته الشعرية الصادقة بهذا النص ( تعبير ) .
- أنواع التجارب الشعرية :
1 - ذاتية : و هي ما تعبر عن ذات الشاعر و تصور أحاسيسه و مشاعره مثل قصيدة " المساء " لمطران ، وقصيدة " في رثاء مي" للعقاد .
2 - عامّة : و هي ما تتجاوز ذاتية الشاعر لتعبر عن آفاق عامة سياسية مثل قصيدة " دعوة إلى الثورة على الظلم " للبارودي ، أو اجتماعية مثل قصيدة " كم تشتكي " لإيليا أبو ماضي .
3 - ذاتية تحوّلت إلى عامة : و تظهر عندما ينفعل الشاعر بموضوع معين فيؤدي شدة انفعاله إلى تحويلها إلى تجربة تتناول مشكلات الآخرين مثل قصيدة " غربة و حنين " لأحمد شوقي .
- موضوعات التجربة الشعرية :
موضوعات التجربة ليست محددة ، فهي تتسع و تتنوع لتشمل كل ما في الحياة صغر أو كبر مما يؤثر في نفس الشاعر من النواحي الكونية أو النفسية أو الاجتماعية ، ونوع الموضوع ( تافهاً أو خطيراً ) ليس أساسا في قيمة التجربة ، وإنما أساسها دائما صدق الانفعال به ، ولكن إذا اجتمع جلال ( عظمة ) الموضوع وصدق العاطفة زاد ذلك من قيمة التجربة وسما به .
- عناصر التجربة الشعرية :
1 - الوجدان : المشاعر - الأحاسيس - الانفعال - العاطفة ومنبعها " القلب " .
2 - الفكر : خواطر تندمج بالمشاعر والأحاسيس مصدرها " العقل " .
3 - الصورة التعبيرية : وتشمل الألفاظ والعبارات والتراكيب والصور والموسيقى " الصياغة الشعرية " .
- لاتنسَ أنّ الفكر بالنسبة للقصيدة يمثل جسدها والعاطفة روحها ، فلا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر .
- الوجدان :
- سؤال : تحدث عن الوجدان في التجربة الشعرية ؟
- جواب : لابد من تحقق شرط أساسي في التجربة الشعرية و هو : " الصدق الفني الشعوري " و هو ما يسمى بالوجدان ، و هو انفعال الشاعر بتجربته من ( حزن - ألم - سرور - سعادة - يأس - أمل - حب - كراهية - غضب - فخر ..إلخ ) و استغراقه فيها ، و التعبير عما يعانيه بصدق ، و بلا زيف أو مبالغة وبدون الصدق الشعوري لا يعد الشعر شعراً ؛ فالوجدان الصادق أساس التجربة ، هو الذي يمنح الشعر الحيوية و القوة و التأثير .
- سؤال : ماذا نقصد بالصدق الشعوري ( الوجداني ) ؟
- جواب : نقصد بالصدق الشعوري ( الوجداني ) :
1 - صدق الانفعال بالتجربة و الاستغراق فيها 2 - صدق التعبير عنها بلا زيف أو مبالغة .
- لا تنسَ أن ما يخرج من القلب مكانه القلب ، و ما يخرج من اللسان لا يتعدى الأذن .
- سؤال : اذكر بعض التجارب الشعرية التي لا تعد من التجارب الناجحة .
- جواب : من التجارب الشعرية التي لا تعدّ ناجحة نذكر :
1 - الشعر الصادر عن الحس الظاهري دون اندماج شعوري فيه . 2 - شعر المناسبات الذي ينظم بغير إحساس صادق . 3 - شعر المحاكاة للآخرين أو الطبيعة دون انفعال أو إحساس صادق . 4 - السرقات الشعرية التي يرى فيها الشاعر بعين غيره ويحس بحس غيره ، ولا يضيف جديداً .
- سؤال : ماذا نقصد بالفكر ؟
- جواب : نقصد بالفكر موضوع القصيدة أو فكرتها العامة و مجموعة الأفكار الجزئية التي تندرج تحت إطار الموضوع العام .
- سؤال : هل يمكن أن تخلو التجربة من الفكر ؟ و لماذا ؟
- جواب : لا ، فليس معنى أن الشعر تعبير عن تجربة وجدانية خلوه من الفكر ، فأساس الشعر الجيد أن يمتزج الفكر مع الوجدان ، و أهمية الفكر ترجع إلى أنه : 1 - يمنح التجربة عنصر الدقة . 2 - ويحول دون انسياب العاطفة 3 - ويساعد على تنسيق الخواطر والصور والربط بين أجزائها فالشاعر الحق هو الذي يفكر بوجدانه ويشعر بعقله .
- و لذلك يعاب قول الشاعر الذي فيه انسياب للعاطفة دون فكر :
واها لسلمى ثم واها واها * يا ليت عيناها لنا وفاها
فقد أكثر الشاعر من " واهاته " ولم يبلغ أعماق النفوس ، ولم يؤثر فيها .
- سؤال : ما أشد التجارب الشعرية تأثيراً في النفس ؟
- جواب : أشد التجارب الشعرية تأثيراً تلك التي اجتمع فيها صدق الوجدان و عمق الفكر ، وسمو المعنى وإنسانيته ؛ لأنها حينئذ تحلق في آفاق رحبة وتسمو إلى مستوى إنساني يضمن لها البقاء والخلود.
- الصورة التعبيرية :
- سؤال : ما المراد بعنصر الصورة التعبيرية " الصياغة الشعرية " ؟
- جواب : الصورة التعبيرية " الصياغة الشعرية " عناصرها ثلاثة هي : (أ) - الألفاظ والعبارات . (ب) - الصور والأخيلة . (جـ) - الموسيقى .
- الألفاظ والعبارات :
- الكلمة هي مادة التعبير عن التجربة الشعرية وهي الأداة السحرية في يد الشاعر بما يحمِّلها خلال الصياغة من دلالات وإيحاءات ، و ليس هناك ألفاظ خاصة بالشعر فكل كلمة يمكن استخدامها بحيث تغني في موقعها ما لا تغني كلمة أخرى .
- سؤال : ما مقاييس جمال اللفظة ؟ أو ما القوانين التي تحكم جمال اللفظة ؟
- جواب : قد وضع البلاغيون كثيراً من المقاييس التي تحكم جمال اللفظة من :
1 - السهولة و الوضوح و الدقة في موضعها .
2 - مطابقتها لقوانين اللغة في النحو والصرف.
3 - البعد عن الغرابة و الألفاظ المهجورة .
4 - البعد عن الابتذال (أي قربها إلى العامية) .
5 - عدم تنافر الحروف ، لذلك عاب النقاد قول الشاعر : و قبر حرب بمكان قفر | و ليس قرب قبر حرب قبر
6 - ملاءمتها للموضوع جزالة ورقة ، وكذلك ملاءمتها الجو النفسي فإن كان الشاعر سعيداً ترقرق البشر من ألفاظه وإن كان حزيناً شعرت بالمرارة في تعبيره .
- لا تنسَ أن مقياس جمال اللفظة أو العبارة هو أن غيرها لا يغني عنها في موقعها . مثل كلمة " الطين " التي قد تبدو غير صالحة للشعر ولكن " إيليا أبو ماضي" استخدمها في موضعها في قوله عن إنسان نسى أصله وتكبر :
نسى الطِّينُ سَاعَةً أَنَّهُ طِينٌ * حَقِيرٌ فَصَالَ تَيهًا وَعَرْبَد
- الصور والأخيلة :
- الخيال من أقوى الوسائل في التعبير عن الفكر والشعور معاً تعبيراً مؤثراً ، فهو أشبه بثوب العروس الذي تتجمل به القصيدة .
الصورة الخيالية نوعان :
1 - خيال جزئي : التشبيه والاستعارة والكناية و المجاز .
2 - خيال كلي : و يسمى أيضاً بالصورة الشعرية أو اللوحة الفنية أو الصورة الكلية ، و طريقة التعامل مع الأبيات لاستنتاج و رسم الصورة يتمثل في :
1 - وصف الصورة من خلال ألفاظ الشاعر و وجدانه .
2 - تحديد أجزاء الصورة و هي الأشياء المحسوسة التي يمكن أن ترى و تحس .
3 - استنتاج أطراف الصورة و هي :
أ - الصوت : في الألفاظ التي نسمع من خلالها صوتاً .
ب - اللون : في الألفاظ التي نرى من خلالها لوناً .
جـ - الحركة : في الألفاظ التي نحس من خلالها حركة .
- مثال تطبيقي للخيال الكلي :
شَاكٍ إلي البحرِ اضْطِرَابَ خَواطِرِي فَيُجِيبُنِي برِياحِهِ الهَوْجاءِ
ثاوٍ علي صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لي قَلْبًا كهَذِي الصَّخْرَةِ الصـمَّاءِ
يَنْتابُها مَوْجٌ كمَوْجِ مكارِهِي ويَفُتُّها كالسُّقْمِ في أعضـــائِي
- رسم مطران في الأبيات السابقة صورة كلية أبدعها بفكره و لونها بعاطفته .
- أجزاؤها : ( الشاعر - البحر - الرياح - صخر - موج ) .
- خطوطها : صوت نسمعه في ( شاك - يجيب - صوت الرياح والموج ) ، وحركة نحسها في ( اضطراب - هوجاء - ينتابها موج - يفتها ) ، ولون نراه في ( زرقة البحر - لون الصخر ) .
- تذكر أن الصورة الممتدة : يكون المشبه في الصور واحداً ، و المشبه به متعدداً ، مثل قول القائل :
- الفتاة بدر في بهائها ، شمس في ضيائها ، طاووس في خطوها .
- سؤال : ما مقاييس الجمال في الصور الخيالية ؟
- جواب : مقاييس الجمال في الصور الخيالية :
1 - أن تكون ملائمة للموضوع وللجو النفسي : ولذلك عابوا قول شوقي في وصف أكفان " توت عنخ آمون " وهو مدرج فيها. [وكأنَّهُنَّ كمائِمٌ وكأنَّكَ الوردُ الجنين ] ؛ لأنه شبه الأكفان بأكمام الزهر ، وشبه جثة " توت عنخ آمون " بالورد في داخلها ، وشتان بين جمال الورد وجو الأكفان وجثة الميت .
2 - أن تصدر عن حس نفسي صادق ، وألا تكون مجرد صدى لإحساس ظـاهر. ولذلك عابوا التشابه الشكلي في قول ابن المعتز و هو يصف الهلال: انظر إليه كزورق من فضة قد أثقلته حمولة من عنبر وفضلوا عليه قول شاعر معاصر يصف الهلال أيضا :
يا وَيْحَهُم قد شَبَّهُوكَ بمِنجَلٍ * ماذا حَصَدْتَ ؟ أتَحْصدُ الأيَّامَا ؟
3 - أن ترتبط بغيرها من الصور الجزئية ، وتتلاءم جميعها مع الفكر والشعور بالتجربة. ولذلك عابوا قول شوقي يصف " قصر أنس الوجود " والمياه تحيط به.
قف بتلك القصور في اليم غرقى ممسكا بعضها من الذعر بعضا
كعذارى أخـفين في الماء بضا سابحات به وأبدين بضا (أي كتفاً)
- فقد جعل هذه القصور أشخاصا يمسك بعضها ببعض خوف الغرق . وتلك صورة توحي بالذعر والفزع ، وفي البيت الثاني شبه القصور وقد اختفي جزء منها في الماء ، وظهر جزء بفتيات سابحات وقد اختفي جزء من أجسامهن وظهر جزء ، وهى صورة مشرقة فيها مرح وجمال ، ولا تجرى في سياق الصورة الأولى ، ولا تأتلف معها .
4 - أن تكون أقرب إلى الإيحاء منها إلى التعبير الصريح المباشر .
- الموسيقى :
عنصر هام من عناصر الصياغة له تأثير عظيم يحقق للنفس المتعة حين يقرأ أو يسمع قصيدة .. لاحظ جمال التقسيم الموسيقي والإيقاع النغمي في قول أبي تمام :
تَدْبِـير مـُعْتَصـِمٍ بِاللـَّهِ مُنْتـَقــمٍ * لِلـَّهِ مـُرْتَقِـبٍ فِي اللَّهِ مُرْتِغـِب
- سؤال : الموسيقا في الشعر نوعان . وضّح .
- جواب : بالفعل الموسيقا في الشعر نوعان " ظاهرة وداخلية " :
1 - الموسيقى الظاهرة ( الخارجية ) : و تتمثل في :
- الوزن الواحد : و هو وحدات موسيقية تسمى تفعيلات ، ووظيفتها ضبط النغم وكل مجموعة منها تسمى بحرا
- وحدة القافية : و هي اشتراك بيتين أو أكثر في الحرف الأخير وحركته ، ووظيفتها ضبط الإيقاع ، وتحقيق المتعة .
- المحسنات البديعية : من جناس و حسن تقسيم و تصريع وكل ماله جرس صوتي تحسه الآذان .
2 - الموسيقى الخفية ( الداخلية ) : وتنبع من اختيار الشاعر لألفاظ موحية منسجمة ، و من جودة الأفكار و عمقها وترابطها وتسلسلها ، و من روعة التصوير .
- سؤال : ما شروط جودة القافية ؟
- جواب : شروط جودة القافية :
1 - أن تكون نابعة من معنى البيت.
2 - ملائمة للجو النفسي.
3 - غير متكلفة ولا مجلوبة.
4 - أن تتفق مع قوانين اللغة .
5 - ألا توجد كلمة أخرى توضع مكانها و تكون أفضل منها .
- سؤال : ما عيوب القافية الموحدة ؟
- جواب : عيوب القافية الموحدة هي :
1 - تفكك القصيدة بجعل البيت وحدة مستقلة.
2 - التكلف في استعمال بعض الألفاظ لمجرد إتمام القافية.
3 - الحد من انطلاق الشاعر في التعبير لضيق حجم البيت.
4 - الملل من تكرار النغمة .
- وقد ظهرت محاولات كثيرة للتجديد في القالب الشعري من حيث القافية مثل ( الموشحات - المقطوعة - الشعر المرسل ) ومن حيث الوزن مثل ( عدم تساوي الأبيات - تعدد البحور في القصيدة - الإكثار من البحور القصيرة المجزوءة أو المشطورة - الشعر الحر القائم على التفعيلة ) .
- سؤال : ما سمات الشعر الخالد ؟
- جواب : سمات الشعر الخالد هي :
1 - صدق التجربة .
2 - مزج الأفكار بالعاطفة .
3 - سمو المعنى وإنسانيته .
4 - روعة التصوير والتعبير والموسيقى وملاءمتها للذوق والبيئة .
- الوحدة العضوية :
- سؤال : ما المقصود بالوحدة الفنية ( الوحدة العضوية ) في القصيدة ؟
- جواب : المقصود الوحـدة الفنية ( الوحدة العضوية ) في القصيدة :
(أ) - وحدة الموضوع : و معناه أن القصيدة كلها تتحدث عن موضوع واحد ، و ليتحقق ذلك لابد أن تكون القصيدة أفكارها مرتبة مترابطة شاملة لكل أجزاء الموضوع ، ولذلك يعيب النقاد على الشعر القديم تعدد الأغراض في القصيدة وعدم ترتيب أفكارها ، وتفكك أبياتها ، وتناقض معانيها أحيانا ، كما يعيبون بعض شعراء " المدرسة الكلاسيكية الجديدة " من المعاصرين لهذا السبب .
(ب) - وحدة الجو النفسي ( وحدة المشاعر ) : و هي وحدة المشاعر التي أثارها هذا الموضوع بحيث تسير عاطفة الشاعر في اتجاه نفسي واحد ، فإذا انتقل الشاعر من جو نفسي إلى جو نفسي آخر ، و ليس بين الجوّين ارتباط فقد انعدمت وحدة الجو النفسي و بالتالي ضاعت الوحدة العضوية ، مثال ذلك قول أحمد شوقي يصف " قصر أنس الوجود " والمياه تحيط به :
قف بتلك القصور في اليمّ غرقى * ممسكا بعضها من الذعر بعضا
كعذارى أخفين في المـــاء بـضا * ســـابحات بــه و أبديـــن بضـاً
- فقد جعل هذه القصور أشخاصا يمسك بعضها ببعض خوف الغرق ، وتلك صورة توحي بالذعر والفزع . وفي البيت الثاني شبه القصور وقد اختفي جزء منها في الماء ، وظهر جزء بفتيات سابحات وقد اختفي جزء من أجسامهن وظهر جزء ، وهي صورة مشرقة فيها مرح وجمال ، ولا تجري في سياق الصورة الأولى ولا تأتلف معها .