أثبت الأطروحة التالية : معرفة الذات تتأسس على التواصل مع الغير .
الطريقة : استقصاء بالوضع
ا/ المقدمة : إذا كان الإنسان بطبعه كائن اجتماعي كما يقول ابن خلدون، يتأثر ويتفاعل مع بني جنسه،فلا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الناس فإن هذا يستلزم أن الآخر أو الغير وجوده ضروري حتى يتمكن الإنسان من إدراك ذاته وقيمة وجوده ،فالشعور بالأنا أو الوعي غير كاف لمعرفة الذات وعليه نطرح السؤال التالي: كيف يمكن لنا إثبات أن معرفة الذات تتأسس على التواصل مع الغير ؟
ب/ محاولة حل المشكلة :
1/ عرض منطق الأطروحة : يرى بعض الفلاسفة أن إدراك الذات لا يكون إلا من خلال التواصل مع الأنا الآخر باعتبار الإنسان كائن اجتماعي مضطر إلى التواصل مع الغير،بل انه يتأثر بالناس ويؤثرون فيه ويتفاعل معهم ، فالوعي أو الشعور بالأنا غير كاف لمعرفة حقيقة الذات ،وهذا التفاعل الذي يحصل بين الفرد والغير يحبطه أو يشجعه ويشكل دوافعه فيصدر الغير عليه الأحكام ويدفع هذا الفرد إلى التفكير بعمق في نفسه وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف ماكس شيلرالذي يرى أن الإنسان يعيش في جماعة أكثر مما يعي في فرده ذاته ،فالطفل يكون في بداية حياته في حالة اللا قسمة« اللاتمييز »ومع نموه داخل مجتمعه فإنه يدرك هويته الذاتية فالمجتمع هو الذي يكون الوعي الفردي ،وهذا ما يؤكده الفيلسوف الفرنسي إميل دوركايم الذي يقول : «إذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي يتكلم »،ويرى أن التعاطف والحب هما الطريق المعبر عن التواصل الحقيقي بالغير، لأن المشاركة العاطفية هي عمل قصدي نزوعي يتجه نحو الغير مثل العاطفة التي تربط الأم بالأب عند وفاة ابنهما،ومثل مشاركة الغير أفراحه وأتراحه،ومختلف مظاهر الحب وهكذا يتجسد الإحساس المشترك بين الذات والآخر ،و يذهب الفيلسوف الفرنسي ذو النزعة الوجودية جون بول سارتر أن وجود الآخر شرط ضروري لتكوين الأنا حيث يقولك وجود الآخر شرط لوجودي، و شرط لمعرفتي لنفسي وعلى ذلك يصبح اكتشافي لدواخل اكتشافا للآخر ،وهذا الآخر ليس مجرد موضوع بل أدركه وأعيه كإنسان موجود مثلي في هذا العالم ،والتواصل يتحقق عن طريق الوعي بالمماثلة .
2/ تدعيم الأطروحة بحجج شخصية : وهذا ما يثبته الواقع فالذات الإنسانية ليست منطوية على نفسها بل تتجه نحو الغير،لأن الشعور يتجه دوما نحو خارج ذاته بحثا عن التغير الذاتي،فأي شخص لا وجود لهولا قيمة لوجوده إلا في ظل علاقته مع الغير أين تتحول معرفته لذاته إلى معرفة موضوعية عن طريق التواصل حيث يقول المفكر العربي المعاصر لحبابي: «أن معرفة الذات تكمن في أن يرضى الشخص بذاته كما هو ضمن هذه العلاقة: الأنا كجزء من النحن في العالم»،وإذا كان الشعور هوا لذي يحدد معرفة الذات ،فلماذا لانعي جميع أحوالنا النفسية كزلات القلم والنسيان وفلتات اللسان ،ولماذا يلجأ الناس إلى المحللين النفسانيين؟ وهذا دليل عل أن الإنسان يجهل حقيقة ذاته ويحتاج بالضرورة إلى الآخر في وجوده . ( عليك التوسّع في الشرح ) .
3/ نقد خصوم الأطروحة بعد عرض منطقهم : حيث ذهب بعض الفلاسفة أن الوعي هو الذي يحدد معرفة الذات فالإنسان متميز عن الحيوان كونه كائن وواع لأفعاله وما يدور في ذاته من أفكار وعواطف ، ويعرف جميع أحواله الشعورية معرفة مباشرة حدسية،وعن طريق الوعي أو الشعور يدرك أنه موجود حيث يقول الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت أن الشعور هو وعي الذات بذاتها وجميع أحوالها ،وهذا ما عبر عنه في الكوجيتو الديكارتي : « أنا أفكر إذن أنا موجود » ، فماهية النفس التفكير،وهو دليل وجودها في هذا العالم،وأنها متميزة عن الآخرين،وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي مين دوبيران الذي يرى أن الشعور بالذات سابق عن الشعور بالموضوع حيث يقول : « قبل أي شعور ، لابد من أن الذات وجود بدليل أن الشعور أو الأنا تميز بين الذات الشاعرة والموضوع المشعور به » ، لكن الشعور بالأنا غير كاف بل إن الإنسان يحتاج إلى التواصل مع غيره من اجل تكوين معرفة أكثر عمقا حيث يرى الفيلسوف سبينوزا هو وهم ومغالطة فاعتقاد الناس بحرية تصرفاتهم ظن خاطئ لجهلهم بالأسباب المتحكمة في شعورهم،وهذا ما يؤكد صعوبة التمكن من معرفة ذواتنا على حقيقتها .
ج/ الخاتمة : إن وعيي بذاتي يتوقف على معرفة الغير والتواصل معه ، لأنها قاصرة عن معرفة حقيقتها ، فإنها تحتاج إلى الغير حتى تدرك حقيقتها أكثر ونقائصها ومدى قيمتها في هذا الوجود ( عليك التوسّع في الشرح ) .